خانت فضائياتٌ شعاراتِها: "الصورة الكاملة" أو "الواقع كما هو"، لدوافع أخلاقية وشروط النشر، فلم تنقل شتائم المتظاهرين. لذا نحن مضطرّون للدوافع نفسها إلى ترجمة أشهر شتيمة من شتائم ثورة لبنان بلغة كوكب الآفاتار هي: بيتكا هين جاوا.
لماذا يشتم المتظاهرون في لبنان أسياد الخواتم وأزواج الهوانم وملوك الشتائم؟ الجواب أنهم أحفاد سويسرا الشرق، وقد هانت حتى صارت مزبلة الشرق، وكان العربي المعارض لنظامه "البيتكا هين جاوا" يجد في لبنان ملاذاً من بطش حكومته، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، حتى أصبح بيتكا هين جاوا يسلّم النازحين إلى النظام السوري، ليقتلهم تحت التعذيب، وقبل أيام انتحر سوريان مخذولان جرى تسليمهما للنظام خوفاً من الموت تحت التعذيب. الجالية اللبنانية من أكبر الجاليات العربية نسبة إلى سكانها، وكأنَّ في بلدهم احتلالا. ما زال أبناء سويسرا الشرق يحظون بالحرية، ولكن من غير ثمرة ديمقراطية، فالديمقراطية هي تخصيب للحرية، ولهذا تحولت مظاهراتهم إلى مهرجانٍ لا تستطيع هيئة الترفيه السعودية الحلم به. ولهذا ولذاك ولذيّاك لم ترَ صحيفة عكاظ من الثورة اللبنانية سوى جمال المتظاهرات. والسبب الثاني الذي منع الحكومة من البطش بالمظاهرات هو التوازن الطائفي في لبنان الذي قيل فيه: إنَّ قوته في ضعفه، وربما يصدق عليه قولاً: داؤه هو دواؤه. وقد تمتع الشعب العربي بعرض سياسي وجماهيري ذكّرنا بالثورة المصرية.
شتموا أسياد الخواتم، ثم جعلوه فناً ثورياً، فتباروا في سبّهم، وهم يتجنّبون بقدر الإمكان، لأسباب معروفة، شتمَ سيد الخواتم الأكبر، لأنه الأقوى، ولأنه فوق السياسة، فيشملونه بالشتيمة من غير شتم مباشر، فقالوا: "كلكن يعني كلكن ونصر الله واحد منكن". وتلك درجةٌ أدنى من "بيتكا هين جاوا".
وكانت دراسة بريطانية، أجراها ريتشارد ستيفنز على طلبته في جامعة كيل البريطانية، وجدت أن الشتائم أدّت إلى تسكين ألم غمس اليد في الماء المثلج بنسبة تصل إلى 50%. لكن هذا التأثير وقع للطلاب الذين يتجنّبون الشتم في العادة، فيما لم يحدث فرقٌ للذين اعتادوا ذلك. أي أنَّ الشتائم بعد عدة أيام سينتهي مفعولها، وكان الطلاب قادرين على تحمّل الألم دقيقتين في المتوسط عند إطلاقهم الشتائم، فيما كان المعدل لا يتجاوز دقيقة واحدة فقط و15 ثانية، لدى الذين مُنعوا من الألفاظ البذيئة. وتوصّل ستيفنز، من خلال هذا الاختبار، إلى أنَّ الشتائم لغة عاطفية، والإفراط في استخدامها يجعلها تفقد شحنتها ومفعولها.
وكان المصريون قد سبقوا اللبنانيين في الشتائم الجماعية في الملعب، عندما شتموا تركي آل الشيخ الذي أحسّ ببعض الخجل، وقرّر الانسحاب من الاستثمار في الرياضة المصرية، وشتمُ الغريب في مصر أسهل من شتم القريب. ومن السباقين إلى الشتم إعلاميو عبد الفتاح السيسي الذين جعلوا شتم الشعب رياضةً يوميةً روحية، وأسبق من الاثنين السوريون المتظاهرون الذين اتخذوا من لعن روح الطاغية شعاراً سورياً. والشتائم تعكس عقائد الشعب، وتبدو ثورة لبنان ثورتين في ثورة. أغلب الجماهير العربية تتلصص على الثورة اللبنانية، لسببين: الحرمان العاطفي والظلم السياسي. اللبنانيات يتصرفن كالذكور، فيما ذكورنا أقل فحولةً من الحد الطبيعي ويتصرفون كالنساء. وغير صحيحٍ ذهاب مثقفٍ إلى أنَّ شتائم اللبنانيات تظهر أنهن يعانين من عقدة القضيب، حسب تحليلات فرويد، فهو مثل القول النمطي: الثورة على النظام هي عقدة أوديب وليست كذلك. وتدخل في الشتم أسبابٌ كثيرةٌ أخرى، مثل شتم الثعلب للعنب وعدَّه حصرماً، ومن منها ردُّ الفعل الغاضب، والشعور بالنقص. الشتيمة تعويضٌ أيضاً، لكنها لا تحل مشكلة، وإن كانت تنفّس بعض الكربة، كما أنَّ الشتيمة قتلٌ معنوي، لكنها للظلم دواءٌ مؤقت، وهي صحيَّاً تؤدي إلى التعرّق، والتعرّق مفيد للجسم، فهو طرح للسموم. والأميركان أكثر الناس شتماً في السينما، فلا يخلو فيلم من تلك الكلمة التي تترجم عادة إلى: اللعنة، وهي تدل على ضعف. وكان القذافي أكثر الناس شتماً لأميركا، لكنه لم يكن صادقاً، شتائم الثورة اللبنانية جهرٌ بالسوء من القول لأنهم مظلومون، والنظام السوري من أشتم الأنظمة على الأرض في السر، تحت الأرض، في المعتقلات والسجون، ومن أكثرها تأدباً في العلن. والمعتقلون هم صفوة الناس وأكرمهم. تقول دراساتٌ إنَّ الشتيمة مرض، وهم الذين أمرضونا، وهم يستحقون شتيمة: بيتكا هين جاوا.
شتموا أسياد الخواتم، ثم جعلوه فناً ثورياً، فتباروا في سبّهم، وهم يتجنّبون بقدر الإمكان، لأسباب معروفة، شتمَ سيد الخواتم الأكبر، لأنه الأقوى، ولأنه فوق السياسة، فيشملونه بالشتيمة من غير شتم مباشر، فقالوا: "كلكن يعني كلكن ونصر الله واحد منكن". وتلك درجةٌ أدنى من "بيتكا هين جاوا".
وكانت دراسة بريطانية، أجراها ريتشارد ستيفنز على طلبته في جامعة كيل البريطانية، وجدت أن الشتائم أدّت إلى تسكين ألم غمس اليد في الماء المثلج بنسبة تصل إلى 50%. لكن هذا التأثير وقع للطلاب الذين يتجنّبون الشتم في العادة، فيما لم يحدث فرقٌ للذين اعتادوا ذلك. أي أنَّ الشتائم بعد عدة أيام سينتهي مفعولها، وكان الطلاب قادرين على تحمّل الألم دقيقتين في المتوسط عند إطلاقهم الشتائم، فيما كان المعدل لا يتجاوز دقيقة واحدة فقط و15 ثانية، لدى الذين مُنعوا من الألفاظ البذيئة. وتوصّل ستيفنز، من خلال هذا الاختبار، إلى أنَّ الشتائم لغة عاطفية، والإفراط في استخدامها يجعلها تفقد شحنتها ومفعولها.
وكان المصريون قد سبقوا اللبنانيين في الشتائم الجماعية في الملعب، عندما شتموا تركي آل الشيخ الذي أحسّ ببعض الخجل، وقرّر الانسحاب من الاستثمار في الرياضة المصرية، وشتمُ الغريب في مصر أسهل من شتم القريب. ومن السباقين إلى الشتم إعلاميو عبد الفتاح السيسي الذين جعلوا شتم الشعب رياضةً يوميةً روحية، وأسبق من الاثنين السوريون المتظاهرون الذين اتخذوا من لعن روح الطاغية شعاراً سورياً. والشتائم تعكس عقائد الشعب، وتبدو ثورة لبنان ثورتين في ثورة. أغلب الجماهير العربية تتلصص على الثورة اللبنانية، لسببين: الحرمان العاطفي والظلم السياسي. اللبنانيات يتصرفن كالذكور، فيما ذكورنا أقل فحولةً من الحد الطبيعي ويتصرفون كالنساء. وغير صحيحٍ ذهاب مثقفٍ إلى أنَّ شتائم اللبنانيات تظهر أنهن يعانين من عقدة القضيب، حسب تحليلات فرويد، فهو مثل القول النمطي: الثورة على النظام هي عقدة أوديب وليست كذلك. وتدخل في الشتم أسبابٌ كثيرةٌ أخرى، مثل شتم الثعلب للعنب وعدَّه حصرماً، ومن منها ردُّ الفعل الغاضب، والشعور بالنقص. الشتيمة تعويضٌ أيضاً، لكنها لا تحل مشكلة، وإن كانت تنفّس بعض الكربة، كما أنَّ الشتيمة قتلٌ معنوي، لكنها للظلم دواءٌ مؤقت، وهي صحيَّاً تؤدي إلى التعرّق، والتعرّق مفيد للجسم، فهو طرح للسموم. والأميركان أكثر الناس شتماً في السينما، فلا يخلو فيلم من تلك الكلمة التي تترجم عادة إلى: اللعنة، وهي تدل على ضعف. وكان القذافي أكثر الناس شتماً لأميركا، لكنه لم يكن صادقاً، شتائم الثورة اللبنانية جهرٌ بالسوء من القول لأنهم مظلومون، والنظام السوري من أشتم الأنظمة على الأرض في السر، تحت الأرض، في المعتقلات والسجون، ومن أكثرها تأدباً في العلن. والمعتقلون هم صفوة الناس وأكرمهم. تقول دراساتٌ إنَّ الشتيمة مرض، وهم الذين أمرضونا، وهم يستحقون شتيمة: بيتكا هين جاوا.
from صحيفة العربي الجديد – صحيفة الزمن العربي الجديد https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/10/23/بيتكا-هين-جاوا-1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق