الإذاعة العُمانية وإسهامات سليمان المعمري - news

احدث المواضيع

Home Top Ad

الأحد، 29 ديسمبر 2019

الإذاعة العُمانية وإسهامات سليمان المعمري

لافتٌ في الإذاعة العُمانية العامة أن شبكتها البرامجية تشمل برامج ثقافية عديدة، منها "هواء الكتابة"، و"وقال القارئ"، و"كتاب أعجبني"، و"القارئ الصغير"، و"المشهد الثقافي"، و"نوافذ ثقافية"، و"ظل الذاكرة"، و"عُمان في الأدب العربي"، و"مخطوطات مهاجرة"، وغيرها من برامج تجعل من المعرفة والبحث الأدبي جزءا من قوت الترفيه السماعي اليومي، جرعاتٍ يتلقّاها المستمع العابر في سيارته، إذا اعتبرنا أن معظم جمهور الإذاعة عابرون متنقلون، وخصوصاً من سائقي السيارات وركّابها. في هذا المقام، يُعطي الكاتب والإعلامي سليمان المعمري حقه من الذكر، فبمجرّد التحاقه بالإذاعة، في تسعينيات القرن الماضي قاد ما يمكن وصفه "تحوّلا" جذريا في برامجها؛ إلى الحد الذي قد لا يُبالغ في القول إنه صار ممكنا الحديث عن الإذاعة العُمانية ما قبل سليمان المعمري والإذاعة العمانية ما بعد سليمان المعمري.
يترأس سليمان المعمري حالياً قسم البرامج الثقافية في الإذاعة، وإنْ كانت معظم هذه البرامج قد صارت، في واقع الحال، ذات صبغة أدبية. ويمكن الحديث عن عدة برامج يشرف عليها مباشرة ويقدّمها، وأخرى يشرف عليها "من بعيد"، بحكم مسؤوليته الإدارية. وهناك برامج له اختار فيها أن يتوارى إلى الخلف، دافعاً أسماء جديدة شابّة إلى الواجهة، رأى من المهم تشجيعها على إسماع صوتها وفرض نفسها في مشهد إعلامي محكوم بالتوجّه العام، لكنه منفتح على الأدب كلما وجد المبادرة.
ويجرّنا ذلك إلى تمثّل المثقف الفاعل العضويّ في أبسط معانيه وتجلياته: كاتب قصّة التحق بالإذاعة، وأراد أن يترك بصماتٍ جديدة فيها. وفي القول كاتب قصة يجب أن ندرك معنى أن تكون كاتب قصّة، أي أن تكون مثقفاً موسوعياً في الأساس، أي أنك تدخُل في نطاق البحث والتجريب وفتح الآفاق. وسينعكس ذلك، بالضرورة، على عملك، بل وعلى حياتك برمّتها.
وفي سياق الحديث عن الانفتاح الثقافي للإذاعة العُمانية، لن يفوتنا التوقف عند برامج يقدّمها الأدباء والكتّاب، هلال العامري وصالح العامري ومنى السليمية ويونس النعماني، وجلها برامج ثقافية، يتجدد معظمها في كل دورة برامجية، ويضاف إليها، من حين إلى آخر، برنامج جديد. وسبق لكاتب هذه الكلمات أن أعدّ برامج "ألف ليلة" و"المقامات" و"قراءة في كتاب" و"من الأعلام". والمُبهج في الأمر أن عديدا من هذه البرامج الثقافية صارت تحظى بمتابعةٍ من الكتّاب، ليس في عُمان وحدها، بل في معظم بلدان الوطن العربي، فكثيرا ما أصادف دعوة من كاتب لمتابعة لقاء معه في الإذاعة العُمانية، أو قراءة له بثّت على أثير هذه الإذاعة.
من أهم البرامج التي تستدعي التوقف، ويقدّمها سليمان المعمري بنفسه، "القارئ الصغير"، والذي يقوم على استدعاء طفل من المدرسة، شريطة أن يكون قارئا للكتب، وخصوصا الثقافي العام منها، فيحاوره سليمان محاورة جادّة، ولكنها صبورة، تتواضع إلى مستوى تفكير الطفل. استطاع هذا البرنامج، وعبر سنواته البرامجية المتراكمة، أن يضعنا أمام إمكانات طفولية حقيقية، كما ساعد البرنامج على بثّ نوعٍ من الحماس عند الأطفال، لفتح منافذ متعدّدة للقراءة، ليس فقط في كتب الأطفال، وهي النواة الأولى التي يتربّى عليها الطفل، إنما كذلك في قراءة كتب تكتنف حكاياتٍ وحكما حياتية، يستفيد منها حتى الكبار. أذكر هنا ذلك الطفل ذا العاشرة من عمره، والشغوف بقراءة الحكايات الشعبية وتقديمها في قالب شائق، ومن هذه القصص التي لا تغادر مخيلتي الحكاية التي تسرد مبارزة بالسيف بين ملكٍ ووزيره، حين يقطع الوزير إصبع الملك، فيأمر بسجنه، فيرد الوزير بأنه لا بد وأن الله قد جعل في ذلك الابتلاء خيرا. وحين كان الملك في رحلة صيد، يتعرّض له حشد من قوم بدائيين فيأخذونه ومن معه قربانا لآلهتهم، ولكن حين يكتشفون أصبعه المقطوعة يفرجون عنه، لعدم أهليته لكي يكون قربانا. وحين يعود إلى مملكته، يفرج عن الوزير ويشكره، فيرد عليه الوزير بالشكر على سجنه له، لأنه لو كان خارج السجن لذهب معه للصيد، وسيكون حينها مصيرُه كمصير من ذهب مع الملك ولم يعد.


from صحيفة العربي الجديد – صحيفة الزمن العربي الجديد https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/12/29/الإذاعة-العمانية-وإسهامات-سليمان-المعمري-1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

Pages