بعد أيام قليلة من صدور الأوامر الملكية بشأن إعفاء عدد من المسؤولين، من بينهم مدير عام حرس الحدود، نظرا إلى التجاوزات غير النظامية، التي أدت إلى حدوث تعديات على أراض حكومية، صدرت بالأمس أوامر ملكية جديدة بشأن إنهاء خدمات قائد القوات المشتركة، بإحالته إلى التقاعد، وإعفاء نائب أمير الجوف من منصبه، مع إحالتهما إضافة إلى عسكريين ومدنيين في وزارة الدفاع، إلى التحقيق. وتم ذلك بناء على ما أحيل من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، بشأن ما تم رصده من تعاملات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع، وما انتهت إليه الهيئة عن وجود فساد مالي في الوزارة وارتباط ذلك بمن تم إعفاؤهم.
وبذلك تستمر مسيرة المملكة بحزم وعزم لاجتثاث الفساد من جذوره، وكشف صوره كلها، على الرغم من تنوعها وتعددها، وكشف مكوناته في جميع الوزارات والجهات الحكومية. إن الأمر الملكي الأخير، يظل مختلفا تماما عن كل ما صدر من أوامر قبله، وسيكون له ما بعده من قوة وحزم في مكافحة الفساد، حيث ضمت الأسماء التي تم إعفاؤها وإحالتها إلى التحقيق، أمراء وضباطا، وهم على رأس العمل، كما أنهم في مناصب ذات أهمية كبيرة، وعادة في مثل هذه الظروف، فإن الدول النامية خاصة، قد تتحسس من مثل هذه القضايا، وتخشى الرأي العام الدولي، ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع أو يؤجل من الأوامر الملكية التي صدرت فور تأكد شبهات الفساد.
ووفق ذلك، فإن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، تؤكد أنها دولة تضع عدالتها وأنظمتها وقوانينها في المقام الأول، كما أنها توجه رسائل حازمة للداخل والخارج أنها ستحاسب بشدة كل من يتورط في قضايا الفساد مهما كان منصبه ومكانته وهي التي تتولى قيادة مجموعة دول العشرين في دورتها الحالية لعام 2020، فهذه المجموعة العالمية الكبرى تضع مكافحة الفساد أولوية استراتيجية لنمو الاقتصاد والتنمية، كما أنها الركيزة الأساسية لمكافحة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، فإن المملكة تقدم للعالم، أنها قدوة ونموذج يحتذى، وأن التهاون في هذه القضايا لأسباب عسكرية أو سياسية، سيقود إلى تراجع في مناحي الحياة كلها تقريبا. إن النموذج الذي تقدمه المملكة للعالم أجمع هو ما ينادي ويطالب به كثير من الشعوب في بقاع الأرض. وبعيدا عن المنهج السياسي، الذي تتبعه الدول، والخيارات التي تبنتها الشعوب في الحكم، فإن الأهم هو تحقيق تقدم في قضايا العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للموارد، وتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار، مع الحفاظ على مقدرات الشعوب وحقوق الأجيال.
وهذا ما تسعى إليه السعودية اليوم لشعبها بكل جدية وعدالة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وبإشراف مباشر بحزم وشفافية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لقد أعلنت المملكة في الأيام القليلة الماضية اكتشافات نفطية جديدة في مناطق جديدة من المملكة، وهذا يعزز مكانتها الاقتصادية، لكن هذه الاكتشافات النفطية والإنجازات الاقتصادية، تظل مهددة إذا لم تكن هناك حوكمة ونزاهة وشفافية في إدارة هذه الأصول، هذه الحوكمة تضمن كشف أساليب ومناهج الاحتيال والفساد كلها. وإذا كانت الأبحاث والدراسات العالمية قد أكدت أن أهم مقياس لجودة الحوكمة وصدق تطبيقها هو قدرة النظام على اكتشاف الأخطاء والغش والاحتيال والفساد، ثم القدرة أيضا على التصريح به والإفصاح عنه، أو التقرير عنه بكفاءة، فإنه يمكننا القول - بكل ثقة - إن المملكة اليوم تملك حوكمة اقتصادية تمثل مقياسا عالميا للجودة في تطبيق قواعد الحوكمة في القطاع العام.
وهنا، نشير إلى أن الأمر الملكي أكد أن كشف هذه القضايا لم يكن بمحض المصادفة، بل تم من خلال أعمال إدارية صارمة في وزارة الدفاع بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وزير الدفاع، وحيث كانت تلك القضايا، في تلك المرحلة، مجرد أعمال وصفت بالمشبوهة، لذلك تطلب الأمر نقل الاختصاص إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، التي تولت التحقق من ذلك، وتم رصد الحالات فعلا، وبهذا صدر الأمر الملكي. إذن، فهي قواعد للحوكمة تم فيها تطبيق خطوط الدفاع كافة، التي ناقشتها كتب الحوكمة، وهذا هو التطبيق الأمثل لها. لذا، فإن الجودة والحوكمة في القطاع العام أصبحتا اليوم مضربا للمثل، ويجب أن يتم نقل هذه الصورة وهذه المعاني إلى القطاع الخاص، وإلى العالم أجمع.
from صحيفة الاقتصادية https://ift.tt/3gLjWSx
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق