مقطع من موريتانيا 2019 - news

احدث المواضيع

Home Top Ad

الأحد، 29 ديسمبر 2019

مقطع من موريتانيا 2019

ليس خبراً ذا قيمةٍ خاصّةٍ أن حزبا حاكما في بلد عربي انتَخبَ رئيسا جديدا له، سيّما إذا كانت مؤسسة الجيش هي صاحبة المرجعية الأعلى في هذا البلد، وإذا كان رئيس الدولة، المنتخب بالضرورة، جنرالا سابقا، ولكن انتهاء العام 2019 في موريتانيا باختتام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم)، أمس، مؤتمره العام (الثاني منذ المؤتمر التأسيسي قبل عشر سنوات)، أشغالَه، بعد انتخابِه وزيرا وسفيرا سابقا رئيسا له، خبرٌ له قيمةٌ بالغة الأهمية في هذا البلد الذي لا تحوز قضاياه الداخلية اكتراثا، منّا نحن في المشرق العربي المتصدّع، والمثقل بالحروب الأهلية المنظورة. مبعث الأهمية أن انتخاب المهندس سيدي محمد ولد الطالب اعمر رئيسا لهذا الحزب يعني هزيمةً جديدةً لرئيس موريتانيا عشر سنوات، الفريق أول محمد ولد عبد العزيز، والذي خابت محاولاتُه استمالة الحزب إليه، وتحتلّ المشهدَ السياسيَّ العام الأزمةُ الحادّةُ بينه وبين صديقه السابق الذي كان رئيس الأركان ثم وزير الدفاع، الفريق أول محمد ولد الشيخ الغزواني، ثم صار رئيسا منتخبا للجمهورية في أغسطس/ آب الماضي، بعد أن ترشّح بدفعٍ ثقيلٍ من رفيقه ولد عبد العزيز الذي قال، في الحملة الانتخابية، إن عدم انتخاب الغزواني يعني دخول موريتانيا في فوضى عارمة.
ولكن الأخبار التي تتوالى، منذ أزيد من شهرين، أوضحت أن فوضى مثل هذه كانت ستحدُث في بلد المليون شاعر لولا إحكام الرئيس الغزواني سلطتَه، والتفافٌ شعبيٌّ عريضٌ معه، وإسناد أحزابٍ معارضةٍ له، أمام محاولات ولد عبد العزيز تمكين نفسِه في دواليب السلطة، وتمتين ولاءاتٍ له في الجيش وخارجه. ولكن ما يتبدّى أن الرئيس السابق فشل في ذلك كله، بل ربما يُساق إلى المحاكمة رسميا بتهم الفساد وتبديد المال العام في أثناء عشريّة رئاسته البلاد، وهو الذي اضطر، قبل أيام، أن يعقد مؤتمرا صحافيا للدفاع عن نفسه في منزله، بعد رفض فنادق نواكشوط استضافته. وكان مثيرا للدهشة تصوير نفسِه أمام الإعلاميين أنه يحمل لواء الدفاع عن الديمقراطية في البلاد، وكذا شكواه قدّامهم من إزالة صوره في مقر الحزب الحاكم (أسّسه في عام 2009)، واستبدالها بصور الرئيس الجديد. وكان ظنّ ولد عبد العزيز أن رئاسة رفيق السلاح، الغزواني، ستكون بمثابة ولايةٍ (يسمّونها في موريتانيا مأمورية) ثالثةٍ له. ولعله فائضُ الثقة في نفسه جعَلَه لا يتصوّر أن أول ما سيفعله الجنرال الجديد في القصر الرئاسي إحداث تغييراتٍ في قيادات الجيش تُبعد "جماعة" سلفه من المواقع الحسّاسة. والراجح أنه غير صحيحٍ الخبر الذي تردّد عن محاولة ولد عبد العزيز تدبير انقلابٍ عسكري أخيرا، وفي البال أنه الذي أطاح، في انقلابٍ عسكريٍّ مشهود، الرئيس المدني المنتخب، سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، صيف 2008، لكنها صحيحةٌ كل الأخبار عن نهاية المستقبل السياسي لهذا الرجل المرجّح أن يعرف العام 2020 فصلا مثيرا بصدِده، المحاكمة والسجن مثلا، أو الهجرة خارج البلاد ربما.
يُستفاض هنا، شيئا ما، في الإتيان على الخلاف بين الجنراليْن الرئيسيْن (المنتخبيْن)، السابق والراهن، والذي جاءت الأخبار على وصوله إلى "نقطة اللاعودة"، لأنه الحدث الأبرز في موريتانيا 2019، العام الذي شهد انتخاباتٍ رئاسيةً، لم تفلح إبّانها المعارضة في التوافق على مرشّحٍ واحد، فكانت حصيلتها بائسة، وهذه أربعةٌ من أحزابها تندمج أخيرا في الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية)، ويصرّح أعلامٌ وازنون في هذه المعارضة بثناءٍ على الرئيس الغزواني الذي انفتح، للحق، على تشكيلات المعارضة في البلد، وحاور كثيرين فيها، وأبدى تجاوبا مع طروحاتٍ لها في غير مسألة، من دون أن يتجاوز، في هذا كله، سقوف خيمة العسكر التي تظلّل المجال العام في البلد، منذ عقود.
ربما كان هذا هو المقطع الأكثر ضجيجا في موريتانيا 2019، غير أن إفلاس عدة شركات عامة، ووقوف شركاتٍ مهمّةٍ أخرى (المياه والكهرباء مثلا) على شفير الإفلاس، مع المديونية العالية التي تصل إلى 73% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذا الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يُثقل على المواطنين، هي أيضا من ظلالٍ للمشهد العام في هذا البلد العربي الذي يستحقّ إضاءاتٍ على شؤونه أكثر إحاطةً من السطور أعلاه.


from صحيفة العربي الجديد – صحيفة الزمن العربي الجديد https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/12/29/مقطع-من-موريتانيا-2019-1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

Pages